الاكتراب التالي للصدمة

27 أيار/مايو 2024

حقائق أساسية

  • تشير التقديرات إلى وجود نحو 3,9٪ من سكان العالم ممّن عانوا من الاكتراب التالي للصدمة في مرحلة ما من حياتهم.
  • معظم الناس الذين يتعرّضون لأحداث يُحتمل أن تكون مؤلمة لا يصابون بالاكتراب التالي للصدمة.
  • يمكن أن يؤدي شعور الفرد بأنه مسنود من أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو أشخاص آخرين عقب تعرّضه لحدث يُحتمل أن يكون مؤلماً إلى  تقليل خطورة إصابته بالاكتراب التالي للصدمة.
  • تتأثر النساء بالاكتراب التالي للصدمة أكثر من الرجال.
  • يوجد علاجات ناجعة للاكتراب التالي للصدمة.
  •  

لمحة عامة

يشعر الكثير من الناس بالخوف الشديد أثناء وقوع أحداث يُحتمل أن تكون مؤلمة أو مشاهدتهم أو تعرّضهم لها، مثل الحروب أو الحوادث أو الكوارث الطبّيعية أو أعمال العنف الجنسي. ويشعر معظم المعرّضين لهذه الأحداث بالضيق ولكنهم يتعافون بشكل طبّيعي مع مرور الوقت. ولكن البعض الآخر يظل يعاني طائفة من اعتلالات الصحّة النفسية التي يمكن أن تستمر لأشهر أو حتى لسنوات، بما فيها الاكتراب التالي للصدمة والاضطرابات الاكتئابية واضطرابات القلق والاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان.

وتتعرّض نسبة 70٪ تقريباً من الناس في العالم لحدث يُحتمل أن يكون مؤلماً خلال حياتهم (1)، ولكن نسبة قليلة منهم فقط (5,6٪) تتطور حالتهم ليصابوا بالاكتراب التالي للصدمة (2). وتشير التقديرات إلى وجود نحو 3,9٪ من سكان العالم ممّن عانوا من هذا الاكتراب في مرحلة ما من حياتهم (2). ويختلف احتمال الإصابة بالاكتراب التالي للصدمة باختلاف نوع الحدث المؤلم الذي يتعرّض له الفرد، وترتفع مثلاً معدلات الإصابة بهذا الاكتراب إلى أكثر من ثلاثة أمثال (15,3٪) فيما بين المعرّضين للصراعات العنيفة أو الحروب (3). كما ترتفع تحديداً معدلات الإصابة به عقب التعرّض لأعمال العنف الجنسي (1).

وتتعافى نسبة تصل إلى 40٪ من المصابين بالاكتراب التالي للصدمة في غضون عام واحد (1). وهناك علاجات ناجعة كثيرة لهذا الاكتراب، ولكن عدد المصابين به في البلدان المنخفضة والمتوسّطة الدخل الذين يبلّغون عن سعيهم إلى الحصول على شكل ما من أشكال العلاج يقتصر على شخص واحد من كل 4 أشخاص مصابين به (2). وتشمل العقبات التي تعترض سبيل الحصول على الرعاية نقص الوعي بأن الاكتراب التالي للصدمة قابل للعلاج وعدم توفر خدمات الصحّة النفسية والوصم الاجتماعي ونقص المدربين من مقدمي خدمات الرعاية في مجال الصحّة النفسية.

الأعراض والأنماط

مع أن الشعور بالضيق أو المعاناة من مشاكل أخرى من مشاكل الصحّة النفسية عقب التعرّض لحادث يُحتمل أن يكون مؤلماً من الأعراض الشائعة، ولكنه لا يعني أن الشخص مصاب بالاكتراب التالي للصدمة. ويكون الشخص مصاباً بهذا الاكتراب إذا أبدى أعراضاً تذكره مجدّداً بالحدث وكان يتجنّب أي شيء يذكره بالحدث ويبدي أعراض الانفعال الشديد المسبب لشعوره بضائقة كبيرة تؤثر على ممارسته لأنشطته اليومية وعلى حياته الأسرية أو الاجتماعية أو الأكاديمية أو المهنية.

أعراض عيش الحدث مجدّداً

يبدي المصابون بالاكتراب التالي للصدمة أعراضاً تذكرهم مراراً وتكراراً وقسراً بالحدث المؤلم (الأحداث المؤلمة)، ممّا يجعلهم يشعرون وكأنهم يعيشون ذاك الحدث (تلك الأحداث) مجدّداً. وتكون تلك الذكريات مصحوبة بخوف أو رعب شديد، وقد يعيشون الحدث من جديد في شكل صور يرونها أو أصوات يسمعونها (مثل إطلاق النار) أو روائح يشمونها (مثل رائحة المعتدي) أو تنتباهم أحاسيس أخرى. وقد تتخذ هذه الأعراض التي تذكرهم بالحدث شكل ذكريات مزعجة أو كوابيس أو شريط ذكريات من الماضي في الحالات الوخيمة. وأثناء عرض شريط ذكريات الماضي، قد يعتقد الشخص للحظات كما لو أن الزمن قد عاد به إلى وقت وقوع الحدث ليعيشه مرة أخرى، ويتصرف على هذا الأساس.

أعراض التجنّب

يتجنّب المصابون بالاكتراب التالي للصدمة المواقف أو الأنشطة أو الأفكار أو الذكريات التي تعيد إلى أذهانهم الحدث المؤلم (الأحداث المؤلمة). وقد يتجنّب هؤلاء الأشخاص التحدّث حتى عن الحدث (الأحداث) مع أسرهم أو مقدمي خدمات الرعاية الصحّية. وعادة ما يلجأ الناس إلى هذه الاستراتيجيات محاولة منهم لتجنّب الذكريات المؤلمة. ولكن استراتيجيات التجنّب هذه قد تتسبب عرضاً في تفاقم الأعراض مرة أخرى بمرور الوقت لتديم بالتالي الإصابة بالاكتراب التالي للصدمة.

أعراض فرط التيقّظ

قد يشعر المصابون بالاكتراب التالي للصدمة بخطر شديد، حتى إن لم يكونوا فعلاً معرّضين للخطر. ويمكن أن يدفعهم ذلك إلى أن يصبحوا أكثر تيقّظاً من المعتاد بكثير، كأن يقوموا بمراقبة الأماكن المحيطة بهم باستمرار بحثاً عن تهديدات محتملة أو الشعور بالحاجة إلى الجلوس وظهرهم مستند إلى الحائط في الأماكن العامة. وقد يشعرون بالذعر أو الانفعال بسهولة، وتكون ردات فعلهم مصحوبة بخوف مفرط إزاء الحركات المفاجئة أو الضوضاء الصاخبة.

وعادة ما تبدأ أعراض الاكتراب التالي للصدمة مباشرة بعد التعرّض لحدث مؤلم أو في غضون شهر واحد من التعرّض له. وبالنسبة للأطفال الأصغر سناً، فإن أعراضه غالباً ما تكون سلوكية ويمكن أن تشمل إعادة تمثيل الحدث المؤلم أثناء اللعب أو الرسم. وغالباً ما يشعر الأطفال بالذنب ظلماً على ما حدث. كما يمكن أن تختلف تجربة الاكتراب التالي للصدمة من ثقافة إلى أخرى. فقد يكون مثلاً التعبير عن الغضب بسبب الحدث مقبولاً أكثر في بعض الثقافات، ممّا يجعل هذه التجربة أكثر وضوحاً. أمّا في بعض الثقافات الأخرى، فقد يشكو المصابون بالاكتراب من مشاكل جسدية مجهولة الأسباب، مثل المعاناة من الصداع أو أعراض مشاكل الجهاز الهضمي.

كما قد يعاني المصابون بهذا الاكتراب من الاضطرابات الاكتئابية واضطرابات القلق والاضطرابات الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان ناهيك عن الأفكار والسلوكيات الانتحارية. وهناك عواقب كثيرة مترتبة على الإصابة بالاكتراب التالي للصدمة (مثل التوتر البدني أو تعاطي الكحول على نحو ضار) هي أيضاً عوامل خطر معروفة للإصابة بأمراض جسدية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.

العوامل التي تسهم في الإصابة بالاكتراب

ينجم الاكتراب التالي للصدمة، شأنه شأن سائر اعتلالات الصحّة النفسية، عن تفاعل عوامل اجتماعية ونفسية وبيولوجية. ويمكن أن يُصاب أي شخص بهذا الاكتراب عقب التعرّض لحدث يُحتمل أن يكون مؤلماً، ولكن الأشخاص الذين تعرّضوا سابقاً لأحداث مؤلمة هم أكثر عرّضة للإصابة بالاكتراب، علماً بأن النساء أكثر عرّضة للإصابة به من الرجال. كما يمكن أن تؤدي عوامل أخرى، بما فيها التاريخ المرضي للأسرة من حيث الإصابة باعتلالات الصحّة النفسية، وحداثة السن، وتدني مستويات التعليم، إلى زيادة احتمال الإصابة بالاكتراب عقب خوض تجربة يُحتمل أن تكون مؤلمة.

ويمكن أيضاً أن يؤثر طابع الحدث المشهود على احتمالات الإصابة بالاكتراب التالي للصدمة. فالتعرّض مثلاً بشكل مستمر ومتكرر لأحداث يُحتمل أن تكون مؤلمة أو لإصابات جسدية خطيرة أثناء الحدث (الأحداث)، أو مشاهدة الأذى الذي يلحق بالآخرين بسببها، هي عوامل يمكن أن تؤدي جميعها إلى زيادة مخاطر الإصابة بالاكتراب. كما يمكن أن يؤدي حصول الفرد على الدعم الاجتماعي عقب التعرّض لأحداث يُحتمل أن تكون مؤلمة إلى تقليل خطورة إصابته بهذا الاكتراب.

العلاج

يوجد علاجات كثيرة ناجعة للمصابين بالاكتراب التالي للصدمة. وتمثل التدخّلات النفسية المسندة بالبيّنات أولى خيارات العلاج ويمكن تقديمها للأفراد أو المجموعات، سواء كان ذلك وجهاً لوجه أم عبر الإنترنت. كما قد يُتاح بعضها في شكل أدلة مساعدة ذاتية وفي المواقع والتطبّيقات الإلكترونية. ويمكن أن تساعد التدخّلات النفسية الناس على تعلُّم طرق جديدة للتفكير والتكيُّف مع حالتهم والتي قد تقلل الأعراض التي يشعرون بها. كما يمكنها أن تساعدهم على التعامل مع المواقف الصعبة ومعالجة الأحداث أو الأشخاص أو الأماكن التي تعيد إلى أذهانهم الذكريات المؤلمة.

ولعل التدخّلات النفسية المسندة بأفضل البيّنات التي تثبت نجاعة العلاج من الاكتراب التالي للصدمة هي تلك القائمة على العلاج السلوكي المعرفي التي تركز على الصدمات وإزالة الحساسية وإعادة المعالجة عن طريق حركة العين. وينطوي تنفيذ الكثير من هذه التدخّلات على الاستعانة بتقنيات التعرّض التي يُطلب فيها إلى الشخص تذكر الحدث المؤلم (الأحداث المؤلمة) أو سرده (سردها) أو تخيله (تخيلها) لكي يتسنى له التعرّض لذكرياته في بيئة آمنة وداعمة. وقد تشمل أيضاً التدخّلات النفسية اللازمة لعلاج الاكتراب التعرّض الفعلي أو المتصور للعوامل التي قد تعيد الذكريات المؤلمة إلى ذهن الفرد.

الرعاية الذاتية

يمكن أن تؤدي الرعاية الذاتية دوراً هاماً في دعم علاج الاكتراب التالي للصدمة. وللمساعدة في تدبير الأعراض علاجياً وتعزيز العافية عموماً، فإن بإمكان الشخص القيام بما يلي:

  • الاستمرار في مزاولة الأعمال الروتينية بشكل اعتيادي يومياً قدر المُستطاع؛
  • والتواصل مع الأشخاص الموثوقين والتحدث إليهم عمّا حدث ولكن شريطة أن يشعر الشخص بأنه مستعد للقيام بذلك؛
  • وتجنّب تعاطي الكحول والأدوية غير المشروعة أو التقليل من تعاطيها لأنها يمكن أن تتسبب في تفاقم الأعراض؛
  • وممارسة الرياضة بانتظام حتى لو كان ذلك مجرد المشي لمسافة قصيرة؛
  • والالتزام بعادات النوم الصحّية أو تطويرها؛ 
  • وتعلم طرق التعامل مع الإجهاد، والتي قد تشمل تقنيات التنفس وإرخاء العضلات تدريجياً.

استجابة المنظّمة

تسلّط خطّة العمل الشاملة الصادرة عن المنظّمة بشأن الصحّة النفسية للفترة 2013-2030 الضوء على الإجراءات اللازم اتخاذها لتوفير تدخّلات مناسبة للأشخاص الذين يعانون من اعتلالات الصحّة النفسية، بمن فيهم المعرّضون لأحداث يُحتمل أن تكون مؤلمة والمصابون بالاكتراب التالي للصدمة.

ويندرج الاكتراب التالي للصدمة في الحالات الصحّية ذات الأولوية التي يتناولها برنامج عمل المنظّمة لرأب الفجوة في الصحّة النفسية، والذي يتضمن مبادئ توجيهية بشأن التدبير العلاجي للاكتراب التالي للصدمة. ويهدف هذا البرنامج إلى مساعدة البلدان على زيادة الخدمات المقدَّمة إلى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية وإدمانية في المرافق غير المتخصّصة الموجودة بالبلدان المنخفضة والمتوسّطة الدخل، ويجري تنفيذ البرنامج حالياً في أكثر من 100 بلد.

وتلبي المنظّمة احتياجات الصحّة النفسية للأشخاص المعرّضين للنزاعات والكوارث الطبيعية في مجموعة من البلدان، وقد قامت المنظّمة بالتعاون مع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين بنشر دليل بشأن التدخّلات الإنسانية في إطار تنفيذ برنامج العمل لرأب الفجوة في الصحّة النفسية، وهو دليل يتضمن وحدة نموذجية عن التدبير العلاجي للاكتراب التالي للصدمة في مرافق الرعاية الصحّية غير المتخصّصة أثناء الطوارئ.

المراجع

  1. Eur J Psychotraumatol. 2017;8(sup5):1353383. doi:10.1080/20008198.2017.1353383.
  2. –74. doi:10.1017/S0033291717000708.
  3. Charlson F, van Ommeren M, Flaxman A, Cornett J, Whiteford H, Saxena S. New WHO prevalence estimates of mental disorders in conflict settings: a systematic review and meta-analysis. Lancet. 2019. 394(10194):240–248. doi:10.1016/S0140-6736(19)30934-1.